أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، أهمية الاجتماع الاستراتيجي بين العالم الإسلامي، وروسيا الاتحادية في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وتكثيف سُبل الحوار بين أتباع الأديان والحضارات، وزيادة التعاون المشترك في مكافحة التطرف والإرهاب.
جاء ذلك في كلمة خادم الحرمين الشريفين التي ألقاها نيابة عنه مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، لدى افتتاح اجتماع مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا والعالم الإسلامي"، الذي يعقد بجدة تحت شعار "الحوار وآفاق التعاون"، بحضور رستم مينيخانوف رئيس جمهورية تتارستان رئيس مجموعة الرؤية الاستراتيجية، ومشاركة المسؤولين والعلماء والمفكرين من روسيا الاتحادية ودول العالم الإسلامي.
وقال خادم الحرمين إن الدين الإسلامي "يتسم بالتسامح والوسطية، وهذا ما أعطاه قبولاً لدى البشرية بمختلف أجناسها وأعراقها".
وأكد أن للمملكة العربية السعودية "دوراً مشرّفاً في تبني مبادئ الاعتدال والتعايش المشترك، حيث سعت جاهدة لدعم الجهود الإقليمية والدولية في هذا المجال، وقدمت العديد من المبادرات في هذا الشأن، أبرزها: تبني وثيقة مكة، ودعـم مكتب تحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة"، مشدداً على التزام المملكة "بدعم أي جهود مستقبلية تهدف لخدمة هذه المبادئ، إيماناً منها أن الاختلاف لا يعني الخلاف وأن التسامح يدعو للتسامي".
وأشار خادم الحرمين إلى أن العلاقات السعودية الروسية "شهدت قفزات نوعية في السنوات الأخيرة، وتوّجت بزيارات عالية المستوى بين البلدين، أسفرت عن التوقيع على العديد من الاتفاقيات المشتركة في جميع المجالات الاقتصادية والثقافية والدفاعية"، لافتاً إلى أن المملكة "تشترك مع روسيا في عدة مبادئ رئيسية منها احترام الشرعية الدولية، وتأسيس العلاقات على أساس الاحترام المتبادل وسيادة واستقلال ووحدة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية".
وأكد خادم الحرمين أن "التعاون الاقتصادي عصبٌ للترابط بين دول العالم الإسلامي وروسيا، وهناك فرص مواتية لدول مجموعة الرؤية، لتكوين شراكات اقتصادية متينة في مجالات عدة منها المنتجات الحلال، والتمويل الإسلامي، وعلينا استثمارها والعمل على تنميتها".
من جانبه، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن روسيا "تولي أهمية كبيرة لتطوير العلاقات الودية مع الدول الإسلامية سواءً على الصعيد الثنائي أو في إطار الحوار مع منظمة التعاون الإسلامي".
وأضاف في كلمته التي ألقاها نيابة عنه رئيس جمهورية تتارستان رئيس مجموعة الرؤية الاستراتيجية رستم مينخانوف، "من المهم أن مواقفنا بشأن العديد من قضايا الساعة على الأجندات الإقليمية والدولية متقاربة للغاية، حيث يدعو جميعنا إلى بناء نظام عالمي قائم على سيادة القانون والتعايش السلمي بين الدول بعيداً عن أية إملاءات تستند إلى القوة وكافة أشكال التمييز".
ودعا بوتين اجتماع "روسيا والعالم الإسلامي" إلى مناقشة سبل التعاون في مجال تسوية النزاعات والأزمات الإقليمية وطرق مكافحة مخاطر الإرهاب والتطرف الدوليين، إضافة إلى قضايا التعاون في المجالات التجارية والاقتصادية والعلمية والتقنية.
وفي كلمته، نوه رئيس جمهورية تتارستان رستم مينيخانوف رئيس مجموعة الرؤية الإستراتيجية بما يوليه الرئيس بوتين من اهتمام كبير للتعاون مع البلدان الإسلامية؛ منذ عام 2005، حيث أصبحت روسيا عضواً في منظمة التعاون الإسلامي بصفة مراقب.
وقال مينيخانوف "احتفينا بذكرى 15 عاماً لتأسيس هذه العلاقة، ومنذ ذلك الوقت أصبح التعاون بين بلداننا يكتسب أهمية بالغة ويرتفع إلى مستويات أعلى، ويتبيّن الآن أن كل المحاولات لفرض نظام عالمي جديد قائم على قطب واحد قد فشلت، فالكثير من الدول تميل نحو الاستقلال وطرح مواقفها، وعلينا أن نستفيد من الفرص القادمة في علاقاتنا، وأن نزيد نشاطنا في مجال مكافحة الإرهاب وندافع عن القيم الأخلاقية التقليدية، ونحمي الذين يحتاجون إلى الرعاية بما فيها الأقليات القومية والدينية".
بدوره، أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن اجتماع مجموعة الرؤية الاستراتيجية روسيا والعالم الإسلامي يعزز الحوار بين روسيا والعالم الإسلامي، كما يعدد إطار التعاون والشراكات ويسهم في تعزيز الأمن الإقليمي والدولي، لافتاً في كلمته التي ألقاها نيابة عنه نائب وزير الخارجية وليد بن عبدالكريم الخريجي، إلى أن "انعقاد الاجتماع في المملكة إشارة إلى اهتمام قيادتها وسعيها لتحقيق الفهم والحوار بين مختلف الثقافات وأتباع الديانات والشعوب".
وقال الأمير فيصل بن فرحان إن المملكة "تسعى لنشر ثقافة التعايش والتسامح وبذلت في هذا الإطار جهوداً ملموسة لنشر ثقافة الحوار بين مختلف أتباع الأديان والثقافات، إيماناً منها بدورها الفاعل إقليمياً ودولياً في مد جسور التواصل ورفع راية التعايش والسلام في عالم يكتظ بالصراع".
وأوضح أنَّ التطور المطرد للعلاقات السعودية الروسية "عزز فرص التعاون في مختلف المجالات السياسية، والاقتصادية، والثقافية وساهم في تحقيق النماء والرخاء للبلدين الصديقين، وشارك في حماية الأمن والسلم الإقليميين والدوليين".
وشدَّد على أن المملكة تؤمن بضرورة اتخاذ موقف موحد في العالم الإسلامي لتطبيق الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي واتفاقية باريس، مشيراً إلى جهود المملكة في هذا الصدد مثل مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر.
من جانبه، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن روسيا سعيدة بكون منظمة التعاون الإسلامي أصبحت شريكاً نشطاً للمجموعة، لافتاً إلى أن هناك تقارباً كبيراً في مواقف روسيا والبلدان الإسلامية في العديد من القضايا الدولية.
ودعا لافروف في كلمته التي ألقاها عنه رئيس الأمانة الدائمة لمنتدى الشراكة روسيا – أفريقيا أليغ أوزيروف، المجتمعين في جدة إلى مناقشة المبادرات الرامية إلى تعزيز التعاون الإنساني والثقافي، وتطوير الحوار بين الديانات والحضارات، منوهاً بأهمية مقترحات المجموعة الخاصة للحيلولة دون وقوع الأزمات والخلافات القائمة في البلدان الإسلامية.
بدوره قال الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه إن اجتماع روسيا والعالم الإسلامي يؤكد روح التعاون بين الدول والشعوب، من خلال ثقافة الحوار لا القطيعة، وتوسيع التشاركية لتحييد الأصوات الإقصائية، موضحاً أن شعار المؤتمر "آفاق الحوار والتعاون" يتوافق واهتمامات الجانبين، الروسي والإسلامي، في مجال حفظ السلم والأمن وفض النزاعات ومقاومة التطرف والإرهاب، وكذلك قضايا التنمية المستدامة.
وأكد الممثل السامي لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة ميغيل أنخيل موراتينوس أن اجتماع روسيا والعالم الإسلامي المنعقد اليوم في جدة يرمي إلى تطوير البرامج المشتركة الهادفة إلى تعزيز التنوع الثقافي والديني، لافتاً إلى أن أهداف الاجتماع ومجموعة الرؤية الاستراتيجية تتوافق مع عمل تحالف الحضارات الذي تم إطلاقه كمنصة للحوار بين الأديان والثقافات في إطار الأمم المتحدة.
وأشار الممثل السامي إلى أن المداولات والإجراءات التي سيتم اتخاذها في اجتماع جدة هي جزء من نقاش أوسع لتعزيز الحوار بين الثقافات والأديان، معبراً عن تطلعه للعمل في هذا الصدد مع حكومتي المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية اللتين تعتبران من الأصدقاء الفاعلين لتحالف الحضارات.
وعقب افتتاح الاجتماع تفقد مستشار خادم الحرمين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل ورئيس جمهورية تتارستان رستم مينخانوف معرض "تقاليد الإسلام في روسيا" المصاحب للاجتماع.
كما شهدا مراسم توقيع مذكرة تعاون بين اتحاد وكالات أنباء دول منظمة التعاون الإسلامي (يونا) ووكالة أنباء وإذاعة "سبوتنيك" الروسية التي تهدف إلى تعزيز التعاون بين "يونا" و"سبوتنيك" في مجال العمل الإعلامي المشترك.
وقع الاتفاقية من جانب الاتحاد المدير العام المكلَّف محمد بن عبدربه اليامي، فيما وقعها من جانب وكالة "سبوتنيك" مدير التعاون الدولي في الوكالة فاسيلي بوشكوف.
وأكد اليامي أن المذكرة ستسهم في تقوية الحضور الإعلامي للمحتوى الإخباري لوكالات أنباء الدول الإسلامية في وسائل الإعلام الروسية، كما ستعمل أيضاً على دعم النشر الصحفي في الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، من قبيل تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، والتصدي لتيارات الكراهية والتطرف
تعليق