استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني لعقد مباحثات تختص بتعميق أواصرالتعاون في شتى المجالات ذات الاهتمام المشترك على المستويات الإقليمية والدولية، وكذلك ما يتعلق منها بتعزيز الروابط البينية بين البلدين؛وذلك في إطار حالة الحرص على استمرار انعقاد اللجنة المشتركة في حالة من الزخم انعكست في تبادل الزيارات على مستويات رفيعة بينالبلدين.
وتاريخيًا وضعت مصر وموريتانيا أول حجر أساس في بناء علاقتهما على الصعيد السياسي عام 1963، حيث قام أول وفد رسميموريتاني بزيارة مصر، ليكون ذلك بداية العلاقات بين البلدين، التي شهدت خلال تلك الفترة انفراجه كبيرة. وقد بدأ التقارب المعاصر في وقتمبكر من تولي الرئيس السيسي سدة الحكم وبالتحديد في سبتمبر 2014 عندما استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي بنيويورك الرئيسالموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز على هامش أعمال الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث استعرض الجانبانتطورات الأوضاع في ليبيا، وانعكاساتها السياسية والأمنية على دول الجوار الليبي.
واستمرت أمارات التقارب في السنوات اللاحقة؛ فخلال عام 2015 شارك الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز في حفل افتتاحقناة السويس الجديدة وخلال العام التالي قام الرئيس الموريتاني السابق بزيارة إلى مصر التقى خلالها مع الرئيس السيسي. وشاركالرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني بحضور بارز في قمة المناخ التي انعقدت في شرم الشيخ ويأتي هذا التقارب المصري – الموريتاني مبنيًا على مساحات واسعة من الأرضيات المشتركة في عدد من الجوانب على النحو التالي:
– تتفق رؤى البلدين بشأن الأزمات على الساحة: خصوصًا ما يتعلق بالعربية والأفريقية منها وفي مقدمتها تطورات الأوضاع فيليبيا وسوريا واليمن حيث تتطابق رؤى القاهرة ونواكشوط في أن النزاعات المسلحة ستؤدي إلى تفكيك الدول الوطنية والذهاب لمحيط أكثراضطرابًا في منطقة الشرق الأوسط، ومن ثم فهي تستهدف الوصول لحلول سياسية لتسوية هذه الأزمات.
-القضية الفلسطينية: يتفق البلدين في رؤيتهما لضرورة إيجاد حل شامل للقضية الفلسطينية مع التأكيد على استمرار خطر العدوانالاستيطاني الإسرائيلي، والذي يهدد بابتلاع باقي فلسطين، وعدم الانسياق وراء التلويح الأمريكي بخطر إيراني كبديل لأولوية الخطرالإسرائيلي على دول المنطقة. بجانب أن عضوية الدولتين في الجامعة العربية تضمن تطابق الرؤى فيما يتعلق بالإصرار على أن تمثل مبادرةالسلام العربية أساسًا للحل مع الدفع بعضوية كاملة لفلسطين في الأمم المتحدة
-مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة: مع الأوضاع الإقليمية في أفريقيا خصوصًا بالنسبة للحالة الليبية وما استجد من أوضاعمضطربة في السودان، يتوافق الجانبان على ضرورة تكثيف التنسيق في الأزمة الليبية لما تمثله بالنسبة للأمن القومي في البلدين وكذلكالامن الإقليمي، مع تأكيد الحرص الكامل على إنهاء تلك الأزمة عبر التوصل لحل سياسي يمهد الطريق لعودة الأمن والاستقرار. في سياقآخر، فإن التحولات الجبواستراتيجية التي تواجه نواكشوط خصوصًا في منطقة الساحل ومع ما تم التوافق بشأنه حيال خارطة التطويرالمقدمة من حلف الناتو وما سبقها من دعوة حلف شمال الأطلسي الناتو لمشاركة نواكشوط في اجتماع الحلف المنعقد في مدريد نهاية يونيو2022، والمساعي لتوسيع دائرة التفاعل البيني وشراكات جعل موريتانيا تستهدف إحداث توازن في تفاعلاتها الإقليمية عبر تدعيم الشراكةالعسكرية مع مصر بما لها من ثقل إقليمي كبير، وخبرة ممتدة في مكافحة الإرهاب.
ويرجع ذلك لما تمثله مصر من رقم مهم في معادلة الأمن الإقليمي، ما أهلها لإعادة انتخابها لعضوية لجنة بناء السلام لمدة عامين عن الفترة2023/2024، فضلًا عن تولي قواتها البحرية مهامًا دولية جديدة في البحر الأحمر تشمل مضيق باب المندب وخليج عدن، إثر توليها قيادة قوة المهام المشتركة 153 الدولية للمرة الأولى، ناهيك عن كون مصر إحدى الدول العشر الأوائل المساهمة بقوات في بعثات الأمم المتحدةلحفظ السلام والأولى عربيًا والثالثة على مستوى الدول الفرانكفونية بموجب قوات تصل إلى نحو 3000 فرد في البعثات المنتشرة بالمناطقالمختلفة ودول أفريقيا.
-التعاون في قضايا المناخ: تعد نواكشوط من العواصم الأفريقية الأكثر تأثرًا بقضايا التأخر المناخي وفي هذا الإطار فقد أعلنت شركةالاستثمار الألمانية Conjuncta ، عن مشروع هيدروجين أخضر جديد تشارك فيه الإمارات العربية المتحدة ومصر وموريتانيا. حيث تم توقيعمذكرة تفاهم مع شركة الطاقة المتجددة المصرية إنفينيتي وشركة مصدر الإماراتية للطاقة المتجددة والحكومة الموريتانية لبناء مصنعهيدروجين أخضر في شمال شرق العاصمة نواكشوط، وستبلغ طاقتها 10 جيجاوات. بما يعادل 8 ملايين طن من الهيدروجين الأخضرسنويًا
وستنتج المنشأة أيضًا الأمونيا أو الوقود المنتج من المصانع وستستخدم الطاقة للتصدير. وأكد وزير الطاقة الموريتاني أن نواكشوط مؤهلةلمكانة رائدة على الخريطة العالمية لاقتصاد الهيدروجين الأخضر في العقود القادمة. وتكمن أهمية ذلك في أن الهيدروجين الأخضر لديهالقدرة على تقليل انبعاثات الكربون لأنه يتم إنتاجه عبر الطاقة المتجددة.
وبعد مؤتمر تغير المناخ COP27 في شرم الشيخ، أصدرت مؤسسات مهمة تقارير عن إمكانات الهيدروجين الخضراء في إفريقيا؛ نظرًا لماتتمتع به القارة من طاقات متجددة متمثلة في الشمس والرياح. وقد يكون إنتاج الهيدروجين الأخضر أمرًا صعبًا في أفريقيا بسبب النقصالنسبي في التنمية هناك. على سبيل المثال، حصل حوالي 47٪ فقط من سكان موريتانيا على الكهرباء اعتبارًا من عام 2020، وفقًا للبنكالدولي مما يعني أن الطاقة البديلة ستسهم في التنمية في نواكشوط.
من جانب آخر، تهتم بعض شركات الطاقة أيضًا بإمكانيات الهيدروجين الأخضر في مصر وقد وقعت شركة بريتيش بتروليوم مذكرة تفاهم معالحكومة المصرية بشأن إنشاء مصنع هيدروجين أخضر حيث ينظر إلى القاهرة ونواكشوط كمراكز محتملة للهيدروجين الأخضر.
– التقارب على مستوى التعاون الإسلامي: فمصر باحتضانها للأزهر الشريف هي قبلة الإسلام السني وتضم العديد من الدارسينمن موريتانيا التي تسلمت رئاسة منظمة التعاون الإسلامي في مارس 2023. وكان وزير خارجية موريتانيا قد وجه دعوة للسيد سامحشكري للمشاركة في اجتماع وزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي. وخلال يناير من العام الجاري، قام د. محمد مختار جمعة، وزيرالأوقاف بزيارة إلى موريتانيا لحضور فعاليات المؤتمر الإفريقي الثالث لتعزيز السلم، والذي عقد هذا العام تحت عنوان “ادخلوا في السلمكافة” بتنظيم من منتدى أبو ظبي للسلم. حيث حضر الجلسة الافتتاحية كل من رئيس موريتانيا، والرئيس النيجيري، ونائب رئيس وزراءغينيا بيساو، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي.
-التعاون الاقتصادي بين البلدين: شهدت العلاقات الاقتصادية بعد عام 2013 تطورًا لافتًا وجهدًا ملحوظًا، حيث تعددت التحركات علىمستوى القيادات لتعزيز التعاون الاقتصادي مما نتج عنه تطور في مجالي التجارة والاستثمار ومواصلة العمل لتعزيز التبادل التجاريوالتدفقات الاستثمارية بين البلدين. ويعمل البلدان على إنشاء أول مجلس مشترك لرجال الأعمال المصريين والموريتانيين وتعزيز التعاونالاقتصادي في مجال الصيد والثروة السمكية والزراعة والثروة الحيوانية والدواء والمبادلات ومواد البناء.
ويضاف هذا إلى وجود تعاون قائم بالفعل بين رجال الأعمال في البلدين والذى بدأ يتجسد من خلال الشراكة، حيث توجد اليوم ما بين أربعإلى ست شركات موريتانية مصرية للصيد البحري وهذه الشركات هي أولى شراكة ثنائية بين البلدين. ويتم كذلك إيفاد خبراء مصريين فيمجال المزارع السمكية وتدريب بحارة موريتانيين على الصيد التقليدي وصيد الأعماق.
وعلى الرغم من ذلك يبدو حجم التبادل التجاري بين البلدين أقل من مستويات التقارب السياسي والتعاون العسكري والأمني، ويمكن إرجاعذلك إلى فترة تفشي وباء كورونا وما فرض من تعطيل على مسائل سلاسل الإمدادات والتبادل التجاري وغيرها ثم التوابع الاقتصاديةالضخمة للحرب الروسية – الأوكرانية. ولكن مع ذلك هناك توصيات بدراسة مشروعات اتفاقات تعاون في مجالات: النقل الجوي، والنقلالبحري، والشؤون الاجتماعية، وتقنيات الاتصال والمعلومات، والتعاون الإداري والفني والجمركي، والإعفاء المتبادل من تأشيرات الدخوللحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والخاصة والعمل، والتعاون في المجال القضائي والقانوني، والتعاون بين الاتحاد العام للغرف التجاريةالمصرية وغرفة التجارة والصناعة والزراعة الموريتانية. بجانب أن هناك اتفاقًا على دراسة المقترح الخاص بمشروع إنشاء مزرعة نموذجيةمشتركة جنوب موريتانيا.
-روابط ثقافية ممتدة: حيث تشكل الروابط الثقافية والتاريخية بين مصر وموريتانيا ركيزة أساسية للعلاقات الطيبة والتعاون بين الشعبينالشقيقين، ولعبت مصر دورًا مهمًا في استقلال موريتانيا، وقد تم افتتاح المركز الثقافي المصري في نواكشوط عام 1964 وقام المركز منذتأسيسه بدور ملموس في ترسيخ الهوية العربية بموريتانيا مع بدء الاستقلال، ومولد الدولة الموريتانية. وتلعب الجامعات المصرية والعديد منالمؤسسات المصرية كذلك دورًا في عملية البناء وتدريب الكوادر الموريتانية.
–التعاون في مجالات التعليم: تم تكثيف العمل لبحث أوجه التعاون المشترك بين الجانبين في تطوير منظومة الطلاب الوافدين إلى مصرمن خلال الدعوة لزيارة مراكز التميز بالجامعات المصرية، والجامعات الأهلية والتكنولوجية الجديدة؛ للوقوف على ما تتمتع به من إمكانياتمادية وبشرية حديثة، وبنية تحتية متميزة، وما تقدمه من تخصصات وبرامج دراسية عصرية، للاستفادة منها في إيفاد الطلاب على هذهالبرامج والتخصصات التي تلبي أغراض وأهداف خطط التنمية المستدامة بالدول الإفريقية. وتعد المنح الدراسية المقدمة للطلاب الموريتانيينللدراسة بالجامعات المصرية؛ مستهدفة لدعم التبادل الثقافي والعلمي والاجتماعي بين الجانبين.
-التعاون العسكري والأمني: خلال فبراير من العام الجاري قام الفريق “حنن ولد سيدي” وزير الدفاع الوطني بموريتانيا بزيارة لمصر،حيث استقبله الرئيس عبد الفتاح السيسي، بحضور الفريق أول محمد زكي وزير الدفاع والإنتاج الحربي، بالإضافة إلى السفير سيديمحمد عبد الله سفير موريتانيا بالقاهرة. حيث تم التأكيد على حرص مصر على تعزيز التعاون العسكري والأمني مع الأشقاء في موريتانيا،خاصة في مجالات التدريب والتأهيل وتبادل الخبرات، في ضوء دور مصر الرائد في هذا الإطار.
وكللت الزيارة باتفاق تعاون عسكري تضمن العديد من المجالات من بينها: التدريب والتعليم، واللوجستيات، والصناعات الحربية والعسكرية،والإعلام العسكري، والطب العسكري، والتكنولوجيا والأنظمة الإلكترونية والاتصالات، والأنشطة الثقافية والرياضية والاجتماعية. وتحقيقًالذلك، فقد تم الاتفاق على تكثيف الزيارات على مستوى وزراء الدفاع ونوابهم وقادة الأركان والخبراء، مع الاشتراك في التدريبات أو العملياتالدولية وكذلك التدريب العسكري لأفراد القوات المسلحة، والاشتراك في معارض التسليح والمعدات العسكرية، وتبادل المعلومات الفنيةوالتكنولوجية والصناعات بهدف تطوير ورفع كفاءة وإنتاج معدات لتلبية احتياجات الطرفين.
ويعد التعاون على هذا المستوى شديد الأهمية؛ نظرًا لتنامي الظاهرة الإرهابية في ضوء ما تناوله مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022 مناستمرارية الإرهاب في جنوب الصحراء، وتحول اهتمام تنظيم داعش إلى منطقة الساحل عقب ضرب معاقله في دول المركز (سوريا والعراق)وبات الساحل المركز الجديد للإرهاب؛ لذا تسعى موريتانيا إلى تعزيز قدراتها وتأمين تسليحها لمواجهة تلك الظاهرة بالتنسيق مع الدولالحيوية في الإقليم ولديها تجارب ناجحة في هذا الملف وهي مصر، خاصة في ظل الانشغال الجزائري المغربي بالصراعات الحدودية.
-رؤية موحدة حول تصفير الخلافات: وسط حالة الزخم الدبلوماسي التي ميزت التحركات العربية وانعكست بشكل كبير في القمةالعربية في جدة من خلال عودة سوريا لمقعدها برزت الرؤى العربية حول التقارب وإنهاء حالة القطيعة وكانت الرباعية العربية قد استعادتبالفعل علاقاتها الدبلوماسية مع قطر وكذلك موريتانيا التي قررت استئناف العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة بعد جهود حثيثة من مسقط. وربما يؤدي هذا التقارب إلى وجود جهود وساطة من قبل نواكشوط بالمشاركة مع مصر وقطر وربما أطراف عربية وأفريقية أخرى لحلحلةالأمور في السودان خصوصًا بعد أن طرحت القاهرة والدوحة مبادرة لدعم وإغاثة الشعب السوداني.
استخلاصًا، يعد التقارب المصري- الموريتاني ضرورة تفرضه أوضاع إقليمية ودولية ضاغطة منها ما يتعلق بمكافحة الإرهاب على الصعيدالأمني مع تغير في واقع الإرهاب والتدخلات الأجنبية في القارة الأفريقية ومنها ما يتعلق بأوضاع اقتصادية متأزمة أثرت على مسألة الامنالغذائي في دول عربية وشمال أفريقية. ولعل القمة العربية الأخيرة في جدة قد أرست قواعد التعاون العربي في الفترة المقبلة والتي تركزبشكل أساسي على التعاون الاقتصادي لتشكيل صمام أمان يصمد في التحديات الدولية المتفاقمة ويصمد أمام التناقض في المصالحالسياسية في بعض الأحيان، بما ينبئ بمرحلة أكثر شمولية للعلاقات البينية بين مصر وموريتانيا ويؤسس لتقارب من نفس النوع بين مصرومحيطها الأفريقي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق