على الضفة الشرقية من المنحدر السحيق للوادي يطل حي “وندامه” العتيق في مدينة كيهيدي ، حيث ترتد السيول في حركة التفافية سريعة نحو شوارع الحي الوادع وساحاته ومنازله التي جربت الصمود أمام السيول الجارفة في كل موسم أمطار
ويوم الخميس الماضي قرر الضيف الموسمي زيارة الحي في الهزيع الأخير من الليل دون استئذان، وانطلقت نداءات الاستغاثة من معظم أرجاء الحي، وامتلأت المنازل والساحات والشوارع بالمياه، وبلغت القلوب الحناجر فلبّت اللجنة الجهوية لمواجهة الطوارئ نداءات الاستغاثة في هذا الحي وفي باقي الأحياء المتضررة من “تولدى” إلى “مدينه” مرورا بالكبة …
جاء المدد من الكتيبة 72 مشاة محمولة ومن مختلف تشكيلات قوات أمننا الباسلة من الدرك والشرطة والحرس و الحماية المدنية ، حيث رسمت بعناية خطة تدخل سريعة لإنقاذ سكان هذه الأحياء، فامتلأت الشوارع بالسيارات والمركبات العسكرية وسط تمشيط لمختلف المنازل والشوارع والساحات لمد يد العون للمتضررين في كل ركن من المدينة، وتحولت المنطقة إلى خلية نحل مليئة بالنشاط والحيوية، وملأت أضواء السيارات فضاء المدينة وقطع هدير محركاتها الصمت المهيب في وقت السَّحر، ورغم استمرار تهاطل الأمطار تكللت عملية التدخل بنجاح منقطع النظير ولم تسجل أي خسائر بشرية، لله الحمد .
تواصلت أعمال الإنقاذ وحفر الخنادق لصرف مياه الأمطار في مدينة كيهيدي ونيروالو بتعاون مشترك بين الكتيبة 72 والمندوبية العامة للأمن المدني، وتم تأمين المواطنين وممتلكاتهم في مراكز إيواء مؤقتة وسط ارتياح عارم للتدخل السريع لمختلف تشكيلات قواتنا المسلحة وقوات أمننا.
وبالتوازي مع أعمال البحث والإنقاذ، تم تشكيل لجان إدارية لمتابعة أوضاع المرحلين وتسجيل هوياتهم وخدمتهم بكل حفاوة وتقدير في انتظار اكتمال الوصول لجميع العالقين لتقييم الموقف بدقة متناهية، وفي هذه الأثناء تفقدت السلطات الإدارية والأمنية وضعية الأحياء المنكوبة، وزارت مراكز الإيواء المؤقتة، واطمأنت على أن الأمور تسير على ما يرام وفق البرامج والخطط المرسومة.
وكانت فرحة السكان عارمة بزيارة التفقد والاطلاع التي أداها فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني لمدينة كيهيدي ظهر السبت الماضي، حيث كان وقوفه الميداني لمؤازرة المتضررين والتضامن معهم وجلوسه بينهم في مدرسة الفاروق بحي وندامه بمثابة بلسم لجراحهم، وكانت مفاجأة سعيدة أثلجت الصدور بقائد يقف مع شعبه في السراء والضراء.
وكانت تصريحاته بتسخير كل إمكانيات الدولة ووسائلها لمساعدة المواطنين في هذه الظروف جرعة معنوية كبرى لسكان الأحياء المتضررة، وقد تجسدت تلك التعهدات واقعا ملموسا، حيث انطلقت في اليوم الموالي التوزيعات المجانية لكميات معتبرة من المواد الغذائية والخيم والأفرشة والأغطية من طرف اللجنة الجهوية لمواجهة الطوارئ برئاسة الوالي، وتم توزيع معونات غذائية وخيم وتجهيزات منزلية لصالح 1500 من المتضررين بعموم ولاية كوركول، بالإضافة إلى توزيع 15 طنا من الأسماك ذاك الجودة العالية على المتضررين من السيول الأخيرة في مختلف أحياء كيهيدي .
وقد بثّ الانتشار المكثف لآليات شفط المياه التابعة للمندوبية العامة للأمن المدني والمكتب الوطني للصرف الصحي وسيارات القطاعات العسكرية والأمنية في مختلف أحياء المدينة، الطمأنينة بين السكان بشعورهم بقرب الدولة منهم في الأوقات العصيبة.
وأكد المواطنون في مختلف الأحياء المتضررة، في تصريحات للوكالة الموريتانية للأنباء (و م أ)، عن ارتياحهم للتحرك السريع للأجهزة الحكومية، ولسرعة التفاعل الإيجابي مع همومهم ومشاغلهم، حيث يقول ديداه ولد اعبيدلل، مواطن من سكان حي وندامه المتضرر، أن زيارة فخامة رئيس الجمهورية حرّكت في نفسه مشاعر جياشة من الغبطة والسرور بتلاحم القمة مع القاعدة.
والتقت (و م أ) بالمواطن إطول عمرو ولد احجور، وهو يقود عربته لحمل حصته من المساعدات لدى مفوضية الأمن الغذائي بحي وندامه، فثمن لها السرعة القياسية للدعم الذي تلقاه المتضررون مما يولد أملا جديدا في أسلوب التعاطي مع هموم المواطنين.
أما المواطنة يمه بنت الداه فقد طالبت بمراعاة الشفافية في تسجيل المتضررين الحقيقيين وعدم خضوع هذا الموضوع لبعض أساليب التحايل والمراوغات، منبهة أن فخامة رئيس الجمهورية يحمل مشروع العدالة والعناية بالمهمشين، ويجب تنفيذ توصياته أثناء زيارته التي وصفتها بـ”التاريخية”.
وبدورها ثمنت البتول بنت محمد وقوف الحكومة مع السكان فيما وصفته بتداعيات هذه النكبة، وطالبت بالمزيد من المساعدات وأن تكون دائمة وليست موسمية مع منح المتضررين قطعا أرضية في مناطق آمنة.
ومن جهتها، عبرت آمنتا آبو صو عن الامتنان للسلطات على حسن تسيير هذه الأزمة، وطالبت بضرورة رسم خطة عملية وفعالة لصرف مياه الأمطار عن الأحياء حتى لا تتكرر ما وصفتها بـ “الكارثة” كل عام.
ومع بزوغ فجر هذا اليوم، ها هي مدينة كيهيدي تلملم جراحها بعد أيام من إشراقة شمس حارقة ساهمت في تبخر معظم مظاهر الإغلاق في الشوارع والساعات بالأحياء المتضررة مع ما حققته الطواقم العاملة على شفط المياه من المنازل وفك العزلة عن بعض المرافق العمومية من نتائج هامة، وها هي حصيلة المستفيدين من تدخلات القطاعات الحكومية تزداد على مدار الساعة مما يبشر بثقة تتعزز باضطراد بين المواطن وحكومته وهي حجر الزاوية في بناء مستقبل واعد.
تعليق